20 أغسطس 2025 - 17:11
خطة احتلال غزة: عندما "تستشهد" المدينة قبل أهلها

يا أهل الأرض، ويا بقايا الضمير في هذا العالم، تعالوا أحدثكم عن مفارقة تتجاوز الخيال!

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ في قطاع غزة المحاصر، يُدفع الناس دفعا إلى الهجرة، يُهمس في آذانهم ليل نهار أن لا بقاء لهم على هذه الأرض، ثم في وضح النهار نفسه تُغلق في وجوههم كل المعابر! أي منطق أعوج هذا؟

إن كنتم تريدون رحيلنا حقا فافتحوا الحدود ودعوا الشعب يختار، فمن شاء بقي ومن شاء رحل.. أم إنكم تخشون رحيلنا أكثر من بقائنا؟ تخافون أن نصبح في الخارج شهودا أحياء على جريمتكم، أم إن الخطة أبسط وأبشع: إبادة جماعية لشعب عنيد يأبى أن يموت بصمت.

ابتكر المحتل مفهوما جديدا للإجرام، وهو "المدينة الشهيدة"؛ فكما يستشهد الإنسان تستشهد المدينة، وكما يُدفن الجسد تُدفن الذاكرة والحضارة والتاريخ والثقافة

ما يحدث في غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ليس مجرد عملية عسكرية محدودة، بل هو إزالة ممنهجة للوجود البشري بأكمله، إنه حصار مطبق، وتدمير شامل للبنية التحتية، وتهجير قسري.

هذه خريطة طريق نحو إبادة جماعية تستهدف كل شيء: الأرواح، والذاكرة، والهوية، والمنازل، والمنشآت التعليمية، والمستشفيات، والمنظومة الصحية، وشبكات المياه والكهرباء، والبنية التحتية، والشوارع، وحتى المقابر!

ففي هذه الحرب تجرد الوحش من آخر أقنعة الإنسانية.. لم يعد الأمر -كما في السابق- عدوانا عابرا، أو دمارا جزئيا يترك مجالا للترميم أو إعادة الإعمار، بل أصبح نهجا إجراميا ثابتا، وهو سياسة "الأرض المحروقة".

فما جرى في مدن؛ خان يونس، ورفح، وبيت حانون، وجباليا، وبيت لاهيا، وفي أحياء شرق مدينة غزة (التفاح والشجاعية والزيتون)، لم يكن عملية عسكرية بقدر ما كان محاولة منهجية لمحو الوجود الإنساني، وجعل المدن غير قابلة للحياة، وتحويلها إلى أنقاض لا تصلح للسكن، ولا للإعمار، ولا للذكرى.

فعلى ما يبدو، ابتكر المحتل مفهوما جديدا للإجرام، وهو "المدينة الشهيدة"؛ فكما يستشهد الإنسان تستشهد المدينة، وكما يُدفن الجسد تُدفن الذاكرة والحضارة والتاريخ والثقافة.

تبقى الأسئلة محفورة في سماء غزة: هل ستُسلّم إلى قدرها المحتوم، لتخط وصيتها الأخيرة بمداد الدم المسفوك قبل استشهادها؟ وماذا سيحدث للعالم إن صمت على إبادة مدينة كاملة أمام عينيه؟

بالأمس القريب استشهدت مدينة رفح، حين أحرقها المحتل ودمرها دون أن يتمكن أحد من إيقافه؛ وها هي مدينة غزة ستُقاد إلى المصير نفسه، مع إعلان المحتل يوم 8 أغسطس/آب 2025 خطته لـ"احتلال مدينة غزة"، عبر إطباق الحصار عليها بعد إفراغها من أهلها، وإن تأتّى له ذلك (لا قدر الله) فسيعلن آنذاك نصرا وهميا يقوم على أنقاض "مدينة شهيدة"، أهلها مبادون أو مهجرون.

كل هذه الجرائم  تجري تحت أنظار عالم يعلن التزامه بالقانون الدولي، لكنه يمنح القاتل درع الفيتو الأميركي، وصك غفران دولي يبيح له القتل أمام المحاكم الدولية، أما الأصوات الدولية التي تعترض، فليست سوى همسات واهنة لا تملك ردع المجرم.

وفي خضم هذه الفاجعة، تبقى الأسئلة محفورة في سماء غزة: هل ستُسلّم إلى قدرها المحتوم، لتخط وصيتها الأخيرة بمداد الدم المسفوك قبل استشهادها؟ وماذا سيحدث للعالم إن صمت على إبادة مدينة كاملة أمام عينيه؟ وكيف سيحاكمه التاريخ؟ أي قيمة ستبقى لخطاب "حقوق الإنسان" والقانون الدولي إذا تُركت مدينة تموت جوعا وقصفا في القرن الحادي والعشرين؟

أما غزة، فلا تسأل العالم إن كان يرى، فهي تعرف أنه يرى.. سؤالها الحقيقي والوحيد هو: متى سيتوقف عن التظاهر بالعمى؟

تعليقك

You are replying to: .
captcha